كيف تتربع على عرش الكراهية في عملك

خلال فترة عملي في إدارة الموارد البشرية لأكثر من 15 عامًا، شاهدت خلالها العجب العجاب من تصرفات وسلوكيات، وجاءني مئات بل آلاف الشكاوي والافتراءات من الموظفين والعاملين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية. جل هذه الشكاوي كانت حول موظفين أو مدراء يسيئون التعامل مع من حولهم، بقصد أو بدون قصد. اليوم قررت جمع بعض من هذه التصرفات ووضعها بين يديك عزيزي القارئ.

بداية دعني أؤكد لك بما لا يقبل الشك أو التأويل، بأنّ اتباعك لهذه السلوكيات، سيرفع أسهم الاستياء منك إلى مستويات قياسية، وتجعلك تتربع على عرش الكراهية في شركتك بلا منازع.

تذمّر دائمًا

موظف متذمر

تذكر دائمًا أن تتذمر من كل شيء، قبيحًا كان أم جميلًا… اجعل التذمر جزءًا لا يتجزأ من وجودك في الشركة… ولأساعدك أكثر، هاك أهم الأمثلة المجرّبة للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه:

# تذمّر من الطقس السيّئ باردًا كان أم حارًا، لا بل تذمر حتى لو كان الطقس مثاليًا من جميع المعايير والأعراف؛ لعدم تمتعك بما يكفي من هذا الطقس الجميل بسبب وجودك في الشركة.

# تذمّر من زحمة السير وعدّد مساوئها ومضارها على الصحة والوقت، وفي حال كان الطريق غير مزدحمٍ فعليك التذمر من خطورة السرعة ومصائبها.

# تذمّر من طريقة العمل في الشركة عند وجود صعوبات مالية فيها، وكيف أنّ الإدارة العليا تتحمل المسؤولية لفشلها الإداري وقلة حيلتها التجارية، أمّا في حال كانت الأعمال مزدهرة فتذمر من جشع الإدارة وتركيزها على النمو، واستغلالها لجهد الموظفين من أجل زيادة أرباحها.

# تذمّر إن لم تتسلم أي مكافأة في نهاية العام، أو إن لم تحصل على زيادة في مرتبك؛ هذا واجب الشركة تجاهك حتى ولو كانت أرباح الشركة متدهورة؛ فما دخلك أنت!!

أمّا في حال تسلمت مكافأة أو حصلت على علاوة فلابد أن تتذمّر، وتقضّ مضجع رؤسائك مهما كانت قيمة المكافأة أو العلاوة؛ لأنك بالتأكيد تستحق أكثر.

ارفع صوتك

موظفة تصرخ

لا تنسَ أن تتحدث بصوت صاخب في جميع الأوقات صباحًا ومساءً، اجعل نبرة صوتك الأكثر تميزًا بحيث يشعر الجميع بوجودك على مسافة دائرةٍ قطرها 50 مترًا على أقل تقدير..

ولأساعدك على تنمية هذه المهارة إليك أهم المواقف التي يجب عليك رفع صوتك فيها:

# غرفة الاستراحة أو مقهى الشركة: شدّ انتباه الجميع لأحاديثك وضحكاتك، لا تدع لأحد فرصةً للراحة أو الاسترخاء أو لحديث مع أحد، فهذا مكان وعمل وليس منتجعًا سياحيًا.

# الجوال: استخدم مبدأ الشفافية في أحاديثك الخاصة أو العامة، شارك الجميع همومك وآلامك، شاركهم مشاكلك العائلية، دعهم يعلمون تفاصيل الاتفاق بينك وبين عامل السباكة الذي سيصلح مغسلتك غدًا، ولا تنس أن تخبر الجميع بما سيكون على طاولة طعامك اليوم.

# في الاجتماعات ارفع صوتك عاليًا، ولّد شعور التوتر عند الجميع وحفزهم على المواجهة والصدام، اجعل لصرخاتك تأثيرًا قاتلًا على مشاعر المحبة والتفاهم، وشتت الانتباه عن هدف الاجتماع، حاول أن يجاريك الجميع ليكون الصراخ والصياح سيد الموقف.

تحدث عن كل من حولك (النميمة)

النميمة في العمل

# كن أيقونة للنميمة في العمل ومصدر الشائعات الأول، تحدث عن الجميع وللجميع، لا تضع أيّة حواجز بينك وبينهم، وحدّثهم عن توقعاتك حول نوايا الآخرين وأفكارهم.

# توّقع أسوأ ما قد تنوي الإدارة القيام به تجاه الموظفين، وانشره بسرعة وعلى أوسع نطاق.

# لا تتأكد من معلوماتك فهي ليست مهمتك، فمن المستحيل أن تقوم بكل شيء بنفسك.

# لا تنسَ الحصول على التغذية الراجعة الـ (Feedback) حول توقعات ومشاعر من تحدّثهم؛ حتى تزيد من بنك معلوماتك وتغني أحاديثك بها.

# شجّع الآخرين على النميمة فهي تضيع الوقت، وتكسر الروتين، وتعزّز مهارة التقصّي والبحث وجمع المعلومات فيما لا يعنيك.

# جد لنفسك مخرجًا شرعيًا للنميمة؛ فالحديث النبويّ الشريف الذي تعرفه جيدًا: { لا يدخل الجنة نمّام} لا ينطبق عليك، فأنت تقدم تقارير شفوية لمديرك أو نصائح لزملائك.

نظرية المؤامرة

موظف مخنوق

ذكّر الجميع جيدًا أنّ النوايا الطيبة توجد فقط في الروايات والأفلام الرومانسية أو في قصص الأولين، أمّا في الحقيقة فإنّ الجميع (وأقصد الجميع حرفيًا) يتآمرون ضدك، وها هنا بعض الأدلة:

# أوجدت الشركة قسمًا متخصّصًا للتآمر ضدك وهو “إدارة الموارد البشرية”، همهم الوحيد اصطياد هفواتك، وهوايتهم انتظار فشلك، وقمة سعادتهم لحظة فصلك عن العمل.

# العديد من أفراد منظمتك يتغذون على فشلك بدءًا من رئيس الشركة حتى عامل النظافة.

# مديرك المباشر هو أكبر أعداءك، لديه من الأجندات الخفية مالا يعلم بها إلاّ الله؛ فاحذر منه.

# لن تصدّق أن حتى تغيّر لون دهان الجدار في مكان العمل مكيدة لها من الدلالات السيكولوجية، والرسائل الماورائية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبشر بالخير.

# اخبر الجميع أنّهم يتعرضون لمؤامرة شنيعة خططت لها الإدارة العليا، وتنفذها الإدارة الوسطى تمحق قدرات الموظفين، وتقتل روح الابداع فيهم، وتحولهم إلى روبوتات عقيمة.

# لا تخفِ عن أحد حقيقة هذا الواقع المرير، وفساد بيئة العمل المشحونة بالمؤامرات الدنيئة، وشجّع الجميع على ترك العمل والبحث عن بيئة عمل أفضل.

جادل

موظف يجادل المدير

الجدال من أسرع الطرق وأكثرها فاعلية للكراهية الشخصية، فلطالما كان الجدال هادمًا للعلاقات، وقاتلًا متمرسًا للود، وعائقًا أساسيًا للوصول لنتيجة معينة، لا بل يمكن أن يكون حلًا جذريًا في تقاعد مدرائك لأسباب صحية-قلبية:

# اتبع القاعد الشكسبيرية التالية “أنا أجادل إذًا أنا موجود”.

# لا تمرر أي نقاش بسهولة: ضع بصمتك دائمًا، ولا تنس أنّ رأيك هو الصواب، ولا يمكن أن يحتمل الخطأ، وأنّ رأيهم هو الخطأ ولا يمكن أن يحتمل الصواب.

# ساعد الآخرين على تنمية هذه الخصلة فلا تسمح لهم بمجاراتك، بل شجّعهم على الجدال بطلب رأيهم بكلامك، ثم عارضهم فورًا ليخوضوا معك تجربة الجدال العقيم.

# عزز ثقافة الجدل في الاجتماعات، واجعل لها اسمًا رنانًا: كالعصف الذهني، أو آليات اتخاذ القرار لو أحببت.

# أفضل توقيت للجدل هو كل مكان وزمان، وتذكّر أن تجادل حتى لو وافق رأيك رأيهم.

انتقد

موظف ينتقد

النقد الدائم مدمّر للعلاقات وهادم الملذات فاجعل النقد عنوانًا رئيسيًا لسلوكك في الشركة، لكن لنجاح ذلك يجب عليك أن تتّبع منهجًا محدّدًا:

# راعي أن يكون النقد في العلن، وإياك والخصوصية في النقد، فالعلن تربية له ولأمثاله.

# لا تنس أن تنتقد الصفات الشخصية قبل السلوكية، والاجتماعية قبل المهنية.

# النقد مهارة لا تتعزز إلاّ بالممارسة اليومية، وفي كل صغيرة وكبيرة على جميع الأصعدة.

# لا تلتفت إلى الاصطلاحات الإدارية المقيّدة لحرية النقد، فلا فرق بين نقد بنّاء أو هدّام.

# عندما تنقد مرؤوسك في العمل تذكّر أن تحطمه تحطيمًا تامًا، بحيث لا يكون لديه أدنى فرصة للنهوض مجددًا.

# انتقد السياسات والإجراءات في العمل، ولا تقدّم أيّة اقتراحات لتعديلها أو حلول بديلة، تذكّر مجددًا أنّك لست المسؤول عن القيام بكل العمل بنفسك.

وختامًا، أنصحك ألاّ تحزن إن لم تمتلك جميع هذه الصفات السابقة، أو إن لم تكن لديك بنفس هذا المستوى، بل لا تقسُ على نفسك كثيرًا إن تخلصت من بعضها أو ابتعدت عنها…، ففي النهاية هذه الصفات والسلوكيات موجودة فينا بشكل متفاوت، ومشكلتك الوحيدة التي ستضطر للتعايش معها إن فقدت بعض هذه الصفات هي زيادة مستوى الألفة والمودة والمحبة بينك وبين زملائك ورؤسائك ومرؤوسيك، وأظن أن لديك القدّرة لتحمّل هذا الأمر!

ولا تنس أنّ العلاقات الجيدة في العمل هي عدوى مفيدة تنتقل بسرعة بين الموظفين، وتعتبر حجر الأساس للنجاح على المستوى الفردي والجماعي في أي مؤسسة أو شركة، فاحذر أن تصاب بها…

عزيزي القارئ ربما تكون هنالك سلوكيات أخرى تسيء للآخرين، وتجعل بيئة العمل أكثر بؤسًا وشقاءً شاركنا بها لتعم الفائدة…

Related Articles

Responses

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *