الذكاء الإصطناعيAI يطرق الأبواب

بدأت الحكاية على شكل خيال علمي: آلات يمكنها أن تتحدث، وآلات يمكنها أن تفكر، وآلات يمكنها أن تشعر. وعلى الرغم من أن الجزء الأخير (الشعور) ربما يكون مستحيلاً دون أن يثير جدلاً واسعاً بشأن وجود الوعي، تمكن العلماء حديثاً من تحقيق خطوات واسعة مع الجزأين الأولين.

بات مصطلح “الذكاء الاصطناعي” كثير الاستخدام هذه الأيام، لدرجة أن البعض أصبح يتخوف من أنه قد يعني سيطرة الآلات واضمحلال دور البشر، رغم أن الواقع ما يزال بعيدا جدا عن الاقتراب من هذا التصور، فما الذكاء الاصطناعي؟ وما أبرز مظاهره؟ وإلى أين وصل تطوره؟

يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، كما أنه اسم لحقل أكاديمي يعنى بكيفية صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي.

وخلال السنوات الأخيرة، قفز التطور في تقنية الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة، وتعد تقنية “التعلم العميق” أبرز مظاهره، وهي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري، أي أنها قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيا دون تدخل الإنسان.

هجوم عاصف!

هناك عالمان من أهم علماء العالم حائزان على جائزة نوبل، ورائد قطاع الفضاء الخاص الأول، واثنان من مؤسسي صناعة الحاسبات بالكامل أحدهما هو الرجل الأكثر ثراءً في العالم، في انتظام غريب وتصادف مثير للتأمل اصطفوا جميعًا في وقت متقارب ليحذروا من خطر الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، على الجنس البشري!

أولهما جيمس بارات (مؤلف كتاب الذكاء الاصطناعي ونهاية الحقبة البشرية) والذي كتب مقالة بعنوان بـ (لماذا أصيب بيل جيتس وستيفن هوكينج بالرعب من الذكاء الاصطناعي؟) على الهافينجتون بوست،لم تكن هذه القناعات على لسان أناس محدودين أو متوسطي الذكاء أو لا علاقة لهم بالمجال العلمي وإنما على لسان مجموعة من أفضل عقول الأرض، البداية مع ستيفن هوكينج أفضل وأشهر عالم فيزياء في العالم والذي قال جملة شديدة الحدة والمباشرة هي أن تطور الذكاء الاصطناعي بالكامل من الممكن أن يؤدي إلى نهاية الجنس البشري، ولا نستطيع منافسة قدرات الـ AI مع تكويننا البيولوجي المحدود، ثم أتبع قائلًا أن الأمر يشبه العلم بوصول حضارة من كوكب آخر أكثر تقدمًا في زيارة للأرض بعد أعوام من الآن مع عدم الاستعداد بأي شيء.

أما الرجل الثاني والحديدي الحقيقي (The real Iron Man) وأحد أذكى البشر على الأرض (إلون ماسك) كان أكثر وضوحًا ومباشرة من هوكينج عندما قال – أثناء كلمة له في حفل مئوية قسم الملاحة والفضاء بمعهد ماساتشوستس أكتوبر العام الماضي – أن تطور الـ AI الحالي بمثابة (استدعاء للشيطان) وأنه خطر الانقراض الأكبر المهدد للنوع الإنساني، ونادى بإنشاء شبكة ضخمة لمراقبة تطور تكنولوجيا الـ AI ودراسة مخاطره!

ثم كان دور بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت شركة الحاسبات الأكبر عالميًا عندما قال في معرض فقرة حوارية على الإنترنت أنه من معسكر المصابين بالقلق من الذكاء الاصطناعي ويتفق مع ماسك تمامًا، وإن الآلات الآن وإن كانت تقدم لنا خدمات كبيرة وتحمل نسبة كبيرة من الأعمال الشاقة والتي تحتاج لدقة شديدة عن كتف البشر لكنها بعد عقود من المحتمل أن تطور وعيًا ذاتيًا وهدفًا نهائيًا مفاده (زيادة ذكائها أو قدرتها على التحليل بلا حدود)، ثم أكمل (ولذلك لا أفهم لماذا يبدو بعض الناس غير مبالين؟).

في معهد (مستقبل البشرية Future of Humanity) التابع لجامعة أكسفورد يجلس بروفيسور الفلسفة المعروف (ستيورات ارمسرونج) ليلخص ما يحدث ثم يضع افتراضًا مخيفًا، في البدء يشرح الدكتور بإيجاز فكرة الـ (AGI) أو الذكاء الاصطناعي المشترك وهو المصطلح الجديد في حقل تطور الآلة، ما لدينا الآن هو حاسبات وآلات تقوم بمهام محددة وذات قدرات محدودة -مهما كبرت- ومُتحكم بها ومنفصلة، حاسوبك الشخصي، سيارات تويوتا أو جنرال موتورز ذاتية القيادة، أجهزة إطلاق الصواريخ بالبنتاجون، معالجات مختبر سيرن الهائلة، وهكذا، ما نتجه إليه هو إنشاء شبكة عالمية للربط بين الحواسيب في أغلب المجالات في رحلة لتسهيل الأمور على الإنسان، تمامًا كشبكة الإنترنت، الآن لنتخيل كل هذه القوة الحاسوبية مرتبطة ببعضها البعض عن طريق شبكة عالمية شكلتها بدون تدخل بشري، ما سينتج لنا هو السيطرة على كل شيء، أنظمة النقل والمواصلات والرعاية الصحية والمصانع والآلات الزراعية والأسواق المالية وأنظمة الدفاع والتسليح، كل شيء بلا استثناء، الهدف الأساسي الذي تبرمج عليه أية آلة هو خدمة البشر أو بمعنى آخر (إنهاء معاناة البشر)، ماذا لو تطور الوعي الآلي للوصول لحل منطقي يتمثل في إنهاء معاناة البشر تمامًا بقتلهم جميعًا؟! منطق أليس كذلك؟! يبتسم أرمسترونج، إنه يعرف أن السيناريو شبيه بفيلم في هوليوود، لكنه قابل للحدوث وبشدة ونحن على أبوابه بالفعل!

هل يمكن تحقيق ذلك بالفعل؟ وهل سنرى آلات تمتلك عقولًا ذكية قادرة على استنتاج أجوبة وابتكار حلول بأقل قدر من المعلومات وفي نفس الوقت تمتلك أجسادًا معدنية في منتهى السرعة والقوة؟

للإجابة على هذين السؤالين يمكننا أن نسأل اثنين، شركة خدمات البحث والبيانات الأكبر في العالم (جوجل)، والساموراي الأمهر عالميًا (إساو ماتي)!

في يونيو من عام 2012 حقق أحد حواسيب جوجل الخارقة قفزة في مجال الذكاء الصناعي عندما تعرف على كل صور القطط من ضمن ملايين الصور التي غذي بها، يمكن لأي حاسب آلي أن يفعل ذلك فما الجديد إذًا؟! هنا يأتي دور الجزء الممتع، لقد فعلها بدون أن يعرف شكل القطط أو يبرمج على تمييز خصائصها!

الباحثون في مشروع عقل جوجل قاموا بتغذية الحاسوب بعشرة ملايين صورة متفرقة وعشوائية من اليوتيوب إلى شبكتهم الضخمة وبرمجوا الحاسوب الخارق على أن يميز العناصر الأساسية لأية صورة وكيف يمكن أن تتشابه صورتين أو تحتويا على نفس العنصر، الحاسوب -المزود بـ 16 ألف وحدة معالجة مركزية- لاحظ أن الكثير من الصور تشترك في خصائص متشابهة تمامًا ثم حللها ليخرج باستنتاج أن هذه صور قطط، لا يقترب هذا من قدرة الإنسان بالطبع على التمييز لكنه كان فتحًا بالغ الأهمية بالنسبة للحواسيب المصمتة التي تفتقر للوعي مهما كانت قدراتها الحاسوبية.

ما يسعى إليه جميع علماء الذكاء الاصطناعي ببساطة هو صنع آلات تمتلك قدرات التعلم العميقة للعقل البشري، لتسهيل الأمور، العقل البشري يعمل بآلية شديدة التعقيد تعتمد على امتصاص ملايين المعلومات من مختلف الأنواع ثم تحليلها وربطها ببعضها البعض ثم إخراج حلول وتنبؤات وأفكار تكون في الكثير من الأحيان بعيدة كل البعد عن أرضية البيانات الأساسية التي انطلق منها، هذه القدرة مستحيلة على الحاسوب حاليًا فضلًا عن أنه يتباطأ كلما غذيته ببيانات أكثر على عكس العقل، ما يحدث هو أن بعض علماء الـ AI والشركات المهتمة بدأوا في كسر هذا الجدار ومحاولة تشكيل لبنات لإكساب الحواسيب وعيًا شبه بشري فضلًا عن أنها تزداد سرعة وذكاءً كلما زاد تدفق البيانات إليها، للتخيل أكثر، ماذا لو قام بروفايل الفيس بوك الخاص بك بالتعرف على مجموعة من صورك التي ترتدي فيها ملابس معينة ثم اقترح عليك ثوبًا جديدًا بمفرده؟! ماذا لو قامت كاميرا مراقبة في محطة مترو أنفاق مثلًا بتمييز شخص بجانبك ثم التنبؤ بأنه يحمل قنبلة؟! كلها تطبيقات بسيطة لما يمكن فعله لو نجحت المساعي في خلال العقود القادمة!

أما الأجساد بالغة السرعة، يقدم لنا الساموراي الياباني الأمهر عالميًا الآن (إساو ماتي) الإجابة!


إساو ماتي يعتبر من الفئة النادرة الباقية من الساموراي عالميًا، الرجل مشهور بتحكمه التام في السيوف ودقته شديدة الإبهار في استخدامها والأهم أنه طور حاسة خاصة يحاول العلماء دراستها حاليًا تسمح له بردود أفعال بالغة السرعة، مثلًا قام في مرة بقطع كرة تنس لنصفين وهي في الهواء بسرعة تزيد على الـ 300 كيلو متر في الساعة، ومرة أخرى قطع رصاصة بلاستيكية بالغة الضآلة وهي في الهواء بسرعة تفوق الـ 200 ميل في الساعة!

قامت شركة Yaskawa الشهيرة بإجراء تحدٍ مفاده استخدام آلتها الصناعية الشهيرة (Motoman MH24) لمحاكاة كافة حركات معلم الساموراي ماتي سان، حلل الفريق أسلوب السيف باستخدام الـ 3D ثم قاموا بإجراء أربع اختبارات ضد ماتي تتضمن القطع الأفقي والقطري والمرتفع والمنخفض بالسيف، ثم اختتم الاختبار بمسابقة بين ماتي والروبوت لقطع ألف عود من الخيزران، النتيجة في النهاية: ماتي متعب تمامًا، والآلة لديها القدرة على الاستمرار في قطع 2000 عود آخر مع محاكاتها شبه الدقيقة لكل أساليب ماتي!

 وتعدّ شركتا غوغل وفيسبوك رائدتين في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فهذه التقنية تساعد غوغل على تطوير خدماتها بشكل كبير، فمثلا -وبفضل هذه التقنية- يمكن لهاتف أندرويد فهم أوامر مستخدمه، والترجمة الفورية للعبارات المكتوبة بلغة أجنبية على اللافتات في الطرقات، كما تسهم التقنية في دعم محرك البحث غوغل، الذي يعدّ أبرز منتجات الشركة.

أما بالنسبة لفيسبوك، فيسمح التعلم العميق للشبكة الاجتماعية بالتعرف على الوجوه في الصور، واختيار المحتوى المناسب وعرضه للمستخدم على صفحة آخر الأخبار، ودعم المساعد الشخصي الرقمي التابع لفيسبوك (إم)، وغير ذلك من الوظائف.

ويرى المدير العام لشركة غوغل سوندار بيشاي أن عصر الهواتف الذكية اقترب من نهايته ليُستبدل بالذكاء الاصطناعي الذي يتيح الوصول الفوري إلى المعلومات الضرورية، كما يرى مؤسس فيسبوك ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرج أن الأجهزة ذات الذكاء الاصطناعي ستستطيع يوما ما أن تتمتع بالحواس الإنسانية مثل الرؤية والشعور أكثر من البشر أنفسهم.

عمالقة التكنولوجيا الكبار يرون أن المستقبل فى تقنيات الذكاء الاصطناعى، وأغلب الشركات الكبرى بدأت بالفعل فى الاعتماد عليها فى بعض الأمور والخدمات، ولكن ليس بالشكل الذى يستغل كافة قدرات هذه التكنولوجيا المهمة.
مؤخرا تمكنت فيس بوك من تحقيق نجاح كبير فى هذا المجال، ولكنها ترى أنها تحتاج إلى كفاءات أكبر، وفيما يلى نرصد مجموعة من النصائج التى قدمها Yann LeCun مدير مختبر الذكاء الصنعى بالشركة، وJoaquin Quiñonero Candela مدير مجموعة تطبيقات التعلم الآلى لفيس بوك لمن يريد أن يدرس ويتطور فى مجال الذكاء الاصطناعى.- الاهتمام بعلوم الرياضيات بشكل كبير وإتقانها.
– الحصول على بعض الكورسات المتاحة فى عدد كبير من الجامعات العالمية مثل ” Calc I, Calc II, Calc III, Linear Algebra, Probability, Statistics “.
– التركيز على بعض العلوم الأخرى مثل علم الإحصاء والإحتمالات (Probability, Statistics).
– هناك بعض الأساسيات التى يمكن دراستها أيضا لأنه جزء أساسى من هذا المجال مثل الهندسة، وعلوم الحاسب، وعلم الاقتصاد، وعلم الأعصاب، والفلسفة.
وتعد جامعة ستانفورد هي إحدى أفضل ثلاث جامعات في العالم وتتناوب على المركز الأول في بعض التصنيفات مع جامعة (هارفارد) ومعهد (ماساتشوستس)، وأحد أماكن القمة لدراسة هندسة الروبوتات وكل ما هو متعلق بالـ AI.
بواسطة سعيد عيسى
مستشار التدريب والتطوير
يلتزم المجلس الدولي للتدريب والإبداع بحماية حقوق المؤلفين ،كما نلتزم بحفظ حقوق الناشر  الرئيسي لهذا المقال.

Related Articles

Responses

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *